صدق الله تعالى: (( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ )) [البلد:8]؛ إنها إحدى النعم الكثيرة التي أنعمها الله عليك، وكما قال أحد السلف : إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك فأغمض عينيك .
ولك أن تتخيل نفسك وأنت فاقد للبصر , كيف ستكون حياتك لمدة ساعة واحدة ؟! فكيف لو كانت سنين عديدة؟! .
ولعل الواحد منا ينسى هذه النعمة وشكرها؛ فإذا به يستخدمها في معصية الله تعالى , فعجبًا له , وأين شكر النعم ؟! .
إن هذه العين قد تكون باباً لك إلى مرضاة الله وجنانه حينما تسخرها في الحسنات، ومن هذه الأبواب:
1- النظر إلى مخلوقات الله بقصد التفكر فيها والتأمل في عجائب صنع الله؛ كما قال: (( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )) [يونس:101]، (( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )) [الغاشية:17]، (( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )) [الذاريات:21].
2- القراءة في كتاب الله تعالى، وفي القراءة حسنات كثيرة، ومنها: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: " ألم | حرف؛ ولكن: " أَلِف " حرف، و " لام " حرف، و " ميم " حرف ) [ صحيح الجامع: 6469 ].
وفي الحديث : ( اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف- يحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) [ صحيح مسلم: 1910 ].
3- القراءة في العلم النافع، ولا ريب أن طلب العلم من أحب الأعمال إلى الله، وفيه من الفضائل ما يعجز القلم عن تسطيره؛ فهل يا تُرى سنسخر هذه العين في القراءة النافعة التي ترفع مستوى الجهل عنا، وتضيف إلينا علماً وحكمةً وبصيرةً؟! .
4- البكاء من خشية الله تعالى من أعظم حسنات العين، والنصوص في فضائل البكاء من خشية الله متواترة، ومنها: (( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )) [الإسراء:109].
ومن الأحاديث: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. -إلى أن قال:- ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ) [ البخاري: 629 - مسلم: 1031].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله.. ) [ صحيح الجامع: 4113].
5- ومن حسنات العين: الحراسة في سبيل الله وحماية بلاد المسلمين من الأعداء ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) [ صحيح الجامع: 4113 ].
وإذا كانت العين طريقًا إلى الجنان؛ فلنعلم أنها إن أهملناها وتركناها بلا رقيب فستقودنا إلى النيران عبر النظر المحرم الذي يُعتبر من أخطر مداخل الشيطان على الإنسان , ولقد تكاثرت النصوص بالتحذير من فتنة النساء؛ عبر النظر، أو الاختلاط , أو ما شابه ذلك.
وحديثي هنا عن خطر النظر إلى المرأة الأجنبية، وأنت عندما تتأمل قول الرب تبارك وتعالى حينما قال: (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهمْ )) [النور:30]؛ تجد أن الله أمر بغض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج وما ذلك إلا لأن حفظ البصر هو السبيل لحفظ الفرج.
وفي الحديث: ( ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) [ البخاري: 4808 - مسلم: 2740 ].
وإذا كان هذا الكلام قد خرج منه صلى الله عليه وسلم في عصره، حيث لم تكن مظاهر الافتتان بالمرأة كما هو الحال في عصرنا هذا؛ فكيف لو رأى حالنا؟!
ولقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن الجوارح تمارس " الزنا " فقال: ( العين تزني وزناها النظر.. ) [ مسلم: 2657]، وهذا دليل على أن العين بوابة للشهوات إذا أهملنا رعايتها.
ولما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؛ فقال: ( اصرف بصرك ) [ مسلم: 2159 ].
وكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الثانية ) [ صحيح الجامع: 7953 ].
والمراد: أن النظرة الأولى ليس فيها إثم، ولا تؤثر في القلب، أما النظرة الثانية التي خرجت بقصد؛ فإنها عليك من ناحيتين: