ربنا تعالى حليم, كريم, عليم .. و هو بالمؤمنين رؤوف رحيم!
و لكنه سبحانه إذا غضب على شيء فإن غضبه يكون شديدا ,يقول الله تعالى {إن بطش ربك لشديد} !
و إذا غضب الله على عبد فسيغضب عليه كل شيء !
لاحظ في الفاتحة لما ذكر الله تعالى الغضب قال سبحانه {غير المغضوب عليهم}
لم يقل :"غير الذين غضبت عليهم" مع أنه قال قبلها {صراط الذين أنعمت عليهم} لكن في الغضب اختلف الأمر قال {غير المغضوب عليهم} جمْع و ليس مفرد..
لماذا؟
لأن الله تعالى إذا غضب على عبد فكل شيء سيغضب عليه لذا قال {المغضوب عليهم}
الملائكة ستغضب عليه ,السماوات ستغضب عليه,الجمادات ,النباتات ,..كل شيء سيغضب عليه حتى الحيوانات !
يقول أحد الصالحين : " و الله إني لأعرف أثر معصيتي إذا تغيرت أخلاق دابتي و زوجتي ! "
إي و الله حتى البهائم تحس بذلك !
لهذا قال تعالى {غير المغضوب عليهم}.
و أحيانا..أحيانا يتنازل بعض الناس فيغضب الله لكي يرضي بعض الأشخاص,يفعل شيئا ممنوعا أو محرما لكي يرضي مسؤوله في العمل,لكي يرضي زوجته,لكي يرضي الزبون..سبحان الله !
هؤلاء الناس الذين يحاول أن يرضيهم هم أنفسهم سيغضبون عليه,هذا ليس كلامي هذا كلامه هو صلى الله عليه و آله و سلم,قال صلى الله عليه و آله و سلم : [ و من التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه و أسخط عليه الناس] سبحان الله ...مجرَّب !
فإذا غضب الله على شيء فلن يفلح أبدا و لو فعل ما فعل, إلا إذا ارتفع عنه هذا الغضب.
و إذا زاد الإنسان من إصراره على المعصية كان غضب الله تعالى أقرب و أشد !
طيب, كيف أرفع غضب الله عني؟!
كيف أتعامل مع الله إذا غضب؟؟
هذا هو السؤال
كيف تتعامل مع الله إذا غضب؟
ربنا سبحانه مع أنه غاضب على العبد إلا أنه يمهله يحلم عليه ,مع أن حقه سبحانه يقتص ممن عصاه فورا الآن..هذا حقه
إلا أنه يعطيه فرصة,هذه الفرصة تسمى مرحلة "الإمهال" و هي مرحلة مؤقتة تُعتبَر محاولة له لكي يرضي ربه بسرعة قبل أن يحدث أي شيء!
فمن كان منا يعيش هذه المرحلة الآن فليستغلها حق الاستغلال و لينتهز الفرصة قبل أن تنتهي هذه المرحلة..لأن هذه المرحلة مرحلة الإمهال إذا انتهت فسيدخل العبد بعدها في مرحلة "الانتقام" !
و إذا غضب الله على العبد فإنه لا ينتقم منه مباشرة,بل يتركه يعيش فترة الإمهال و الحِلم و يتركه مع أنه غاضب عليه لعله أن يرجع لعله أن يترك معصيته ..!
سبحان الله ..قد يكون ربي غضبان على العبد و العبد لا يشعر! و بعض الناس له سنواااات و هو يعيش في غضب الله , و الذي يبقيه على قيد الحياة : حِلْمه سبحانه! لأنه صبور على الناس سبحانه..صبور..حليم !
فإن قال قائل: كيف أعرف هل الله غضبان علي أم لا ؟!
سنعرف إن شاء الله...
كيف أعرف هل الله عز و جل غضبان علي أم لا ؟
الجواب بسيط: إذا كان العبد مصرا على المعصية فيُخشى عليه و الله أن يكون ربنا فعلا غضبان عليه ! و إلا " فالله تعالى ليس له ثأر يأخذه من عبده" كما يقول بن القيم..
و لو أهلك الله تعالى عباده جميعا ما زاد ذلك في ملكه شيئا,بل إن رحمته سبحانه تسبق غضبه كما حكم هو بذلك جل في علاه !
طيب, ماذا سيحدث إذا انتهت مرحلة الإمهال؟!
إذا انتهت مرحلة الإمهال فستبدأ مرحلة الانتقام !
أعوذ بالله !
و هي مرحلة صعبة جدا و لها أشكال عديدة يختار الله تعالى منها ما شاء..كل عاص بما يناسبه!
طيب, من كان في وسط غضب الله ماذا يفعل؟
عليك الآن أن تعلن حالة الطوارئ التامة بسرعة قبل أن يحدث أي شيء !
طيب, ماذا أفعل؟ !
إذا أحسست أن الله غاضب عليك توجد طريقة تذهب هذا الغضب عنك ,بحيث يعود الرضى إليك بعد أن فقدته..
الحل: أن تبحث عن أحد يخلّصك من هذه الورطة..و لن تجد أحدا يخلّصك إلا هو سبحانه !
فهو الذي سيحلّصك من هذا الغضب,كل شيء تفر منه عنه إلا الله ,فإنك تفر إليه قال تعالى {ففروا إلى الله } !
أرأيت؟ أرأيت كيف أن التعامل مع الله يختلف تماما عن التعامل مع غيره؟!
كيف هو سيخلّصني؟! كيف؟!!!
سيخلّصك من غضبه إذا لجأت إليه هو وحده..و لهذا كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول : [ لا ملجأ و لا منجى منك إلا إليك] فتستعيذ به منه بلا واسطة و لا شيء..و هذا لا يوجد مع أي أحد آخر إلا مع اللــــه !
و لهذا كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم أذكى الخلق و أعرف الناس بالله ,كان يستخدم هذا الأسلوب فيقول في دعائه : [ أعوذ برضاك من سخطك ] ,طبعا هكذا تكون الدقة في اختيار الكلمات {و قال ربكم ادعوني أستجب لكم}..
قل له كلّمه بكل مشاعرك و أحاسييسك ,كلمه من كل قلبك قل له : " يا ربي لا تغضب علي..يا ربي ارضى عني..يا ربي ليس لي سواك" قل له : "يارب إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ..اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك.." كلّمه قل له " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " صدّقني سيرضى عنك صدّقني صيرضى عن ,صدّقيني سيرضى عنكِ أنتِ أيضا ! {و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان} .
فإذا لم نطلب منه ذلك و لم نسأـله أن يرضى عنا فسوف يزيد غضبه سبحانه !
قال صلى الله عليه و آله و سلم : [ من لم يسأل الله غضب الله عليه] !
و ربنا سبحانه يعلم ذلك , يعلم أن العبد إن لم يطلب منه فسوف يغضب عليه و العبد لا يطيق هذا الغضب لا يقدر عليه !
توجد مشكلة أخرى , و هذه تهدد سرعة انتهاء مرحلة الإمهال, و هو أن الذنب و إن كان صغيرا فإنه سيصبح أعظم و أشد إذا كان في حال الغضب ,يقول بعض الحكماء : " كما أن الأجسام تعظم بالعين في السراب ,كذلك يعظم الذنب عند الإغضاب " طبعا, لأن الذي يكون راضيا عنك يحتمل منك أخطاء قد لا يحتملها إذا كان غاضبا منك
و إذا أتى الحبيب بذنب واحد ****أتت محاسنه بألف شفيع
و هناك أمر مهم يجب أن تعرفه عن الله لازم : اعلم أنه سبحان يرضى بسرعة ! بسرعة يرضى..يرضى بالقليل سبحانه !
هذا لكرمه و فضله و إلا فهو سبحانه يستحق الكثير, لكن لكرمه فإنه يرضى بالقليل و بسرعة أيضا..في لحظة واحدة تتوب إليه فيتحول غضبه إلى رضى,بل أكثر من ذلك: إنه سيفرح! إي و الله سيفرح !
سيفرح بك أكثر من فرح الناجي الذي نجى من الهلاك المحقَّق!
فحاول أن ترضيه..حاول..
حاول أن ترضيه بالأشياء التي يحبها سبحانه, مثلا : النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول : [ صدقة السر تطفئ غضب الرب] اللــــه ! لاحظ هذه الألفاظ الجميلة !
وتأكد أنه سبحانه هو يريد أن يرضى عليك أكثر مما تريد أنت أن ترضى عنه قال تعالى { و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا}!
و لكن أحيانا بلا فائدة ..سبحانه..ربنا سبحانه لا يطرد الناس من رحمته و لكن أحيانا لأ, بلا فائدة..العباد أنفسهم هم الذين يطردون أنفسهم من رحمة الله !
نعم,بعض الناس مُصرّ كأنه يقول : "لابد أن أدخل النار! " مُصرّ على أن يغضبه سبحانه!
و إلا فهو سبحانه مع ذلك لا زال يدعوهم في كل يوم يريد منهم أن يرجعوا إليه و هو لا يريد أن يغضب عليهم, يريد منهم أن يعودوا إلى محبته و مرضاته ,يقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم : [ إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل] نعم, إنه يفعل ذلك في كل يوم سبحانه.
ألم يحدث مرة أنهم أخبروك أن والدك قد غضب عليك ,أو أن المدير يريدك فورا و هو غاضب..فخفت و أصبحت تفكر و تتوتر و تقلق, فلما دخلت عليه و كلّمته هدأ غضبه و أصبح يضحك! في تلك اللحظة لما ضحك ستحس بشعور راااائع مريح,أتعرف هذا الشعور؟ أنا متأكد أنك تعرف هذا الشعور ,يعني مر بك من قبل ,تعرف ماذا أقصد..ما رأيكم أن نشعر بهذا الشعور و لكن هذه المرة ليس مع المدير..مع من هو أهم من المدير,أهم من الوزير, و أهم من الناس جميعا..إنه اللـــه!
أنا متأكد أيضا بأن هذا الشعور يوم القيامة سيكون في صدرك أحلى و أجمل بأضعااااف مضاعفة عن الشعور به في الدنيا !..إي و الله عندما تقف في أرض المحشر تنتظر الحكم الذي سيصدر عليك يوم القيامة,فينادى باسمك لكي تقف بين يدي الملك,فإذا هو رب رحيم رحمن و هو راض غير غضبان!
كيف سيكون شعورك؟ كنت خائفا من أن يكون غاضبا فإذا هو راض!
أنا متفائل جدا بأن هذا هو ما سيحدث لنا جميعا إن شاء الله..ولكن دعونا نرضيه الآن قبل أن يحدث أي شيء
اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك
من حلقات كيف تتعامل مع الله للشيخ مشاري الخراز