شهر رمضان الكريم له فرحة خاصة في قلوب الكبار والصغار, فهو شهر الروحانية والعودة إلى الالتزام بتعاليم المولى - عز وجل - من خلال ضبط النفس ومنعها عن شهواتها المباحة حتى يعتاد المسلم بعد ذلك منع نفسه عما حرم الله - سبحانه و- تعالى -.
ولا تخفى على أحد أهمية تعويد أطفالنا الصيام منذ الصغر حتى يشبوا ولديهم الفهم والوعي لمعاني الصوم السامية، والقدرة على تحمل المصاعب، والصبر عند الأزمات، والمثابرة في العمل وغيرها من الخلال الحميدة التي نوضحها في هذا التحقيق.
تجربة أم:
تحكي (أم أسامة) عن تجربتها في تعويد أطفالها الصيام وهي لديها (4أطفال): أسامة 8 سنوات, ومنار 7 سنوات, سمية 4 سنوات, ياسمين عامين.
فتقول إن البداية جاءت معها من قصة السيدة (أم أنس) حيث كانت تلقن رضيعها قول لا إله إلا الله, محمد رسول الله، وكان زوجها يسألها أيفهم هذا المعنى وهو مازال رضيعًا, فتخبره أنه إذا استشعر الطفل معنى هذه الجملة وجد حلاوتها في قلبه، وعززت فيه حب الله ورسوله ومن ثم يسهل عليه تنفيذ تعاليم الله - عز وجل - وأداء عباداته. (وأم أسامة) بدأت مع ابنها بهذا الشكل منذ سن 4 سنوات، كانت تعوده الصوم ساعة أو ساعتين تزيد تدريجيًا إلى أن يصل ليوم كامل، ومع رغبة الطفل في التقليد أصبحت منار تقلد أسامة وترغب في الصوم مثله.
ولم تلجأ أم أسامة لإعطاء مقابل لأطفالها لتعودهم الصوم؛ لأنها إذا وجدت أطفالها مقبلين على الطاعة والعبادة لا تعطيهم مقابلاً ماديًا حتى تكون خالصة لله - عز وجل - وحده، وحتى لا يعتادوا ذلك في كل شيء.
وبفضل الله اعتادوا على الصيام بحب وشوق منهم إلى إرضاء الله ورسوله، ولأني زرعت في قلوبهم منذ الصغر أن فعل الطاعة والعبادة ترضي الله - عز وجل - عنهم وتقربهم إليه، ويحبهم ويدخلهم جنته، وهم الآن على شوق لمجيء شهر رمضان المبارك حتى يفوزوا بحب الله - سبحانه و تعالى - وحب رسوله- صلى الله عليه وسلم-
الرفق واللين
في البداية يقول(د. أحمد الشحات موسى) أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر الشريف: إن عملية تعويد الطفل على الصيام تحتاج إلى نوع من الحنان والهدوء والرفق واللين، من خلال إدراك مدى قدرة الطفل على التحمل, فالطفل قوى البنية يختلف عن الطفل الضعيف أو المريض الذي لا يستطيع الصيام لفترات طويلة.
كذلك لابد من تعويد أطفالنا على الصيام لمدة ساعتين أو أكثر، تزيد تدريجيًا حتى يصل في النهاية إلى صوم اليوم كله.
والأسرة لها دور أساسي في هذه العملية، حيث تعد المحضن الأول للطفل والبيئة التي يتعلم منها الصواب والخطأ, لذلك على الأبوين أن يكونا مثلاً أعلى وقدوة حسنة لأولادهم بتعليمهم الصوم والصلاة وغيرها من العبادات والطاعات، في سن مبكرة من سن 7 سنين كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (مروا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع) فالصلاة مرتبطة بالصوم حتى يسهل بعد ذلك أداء الفريضتين.
ويضيف د.أحمد الشحات أنه كلما كانت البيئة الأسرية المحيطة بالطفل ملتزمة دينيا كلما كان له أثر على التنشئة الصحيحة للأطفال.
ولكن للأسف فإن القدوة والمثل الأعلى الآن في حياة أولادنا قد تكون نماذج غير ملتزمة دينيا ومع عدم توافر البديل الإسلامي لكل الناس أصبح من السهل انجذابهم إلى أي شيء آخر.
فعلى الوالدين تحبيب أولادهم في الصوم من خلال بعض القصص المصورة التي تحكي فضائل الصوم، وتعلم الأطفال أمور دينهم بلغة بسيطة وسهلة، ولذلك لابد من إدخال المفاهيم الإسلامية في أذهانهم منذ الصغر حتى يتعلموا من خلالها مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام ونحببهم في قضايا دينهم دون شدة أو مغالاة.
ونعرفهم على نماذج من الصحابة رضوان الله عليهم وكيف كانوا يحثون أولادهم على الطاعة، وكانوا يلهونهم باللعب من العهن(القش) حتى يكملوا الصوم في شهر رمضان.
لا مانع من التحفيز
ويؤكد د. أحمد الشحات أنه لا مانع من تحفيز الطفل على الصوم بإعطاء بعض الهدايا والأشياء المحببة إلى نفسه، حيث تعد وسيلة للترغيب ولكن يجب أن تكون بشيء من الاعتدال وعدم الإسراف والمبالغة. إذًا على الأسرة أن تبين لأولادها معنى الصوم والهدف منه، ولماذا شرعة الله - عز وجل -؛ لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر. بذلك ينشأ الأطفال وهم على دراية وفهم لتعاليم دينهم السمحة ويشعروا القرب من الله - سبحانه و- تعالى - ونزرع في قلوبهم حب وتقوى الله, كذلك يعتاد الطفل أن يراقب الله في جميع أفعاله؛ لأن الذي يعلم بصومه هو الله وحده وهو الذي سيجازيه عليه لذلك ينشأ بداخلة رقابة ذاتية ويعتاد الأمانة والخلق القويم.
صوموا تصحوا
ومن الناحية الصحية توضح لنا(د.سهام ناجي) طبيبة الأطفال بمركز الأمومة والطفولة آثار وفوائد الصوم فتقول: من المفترض تعويد الطفل على الصوم عدة ساعات حتى يستطيع تدريجيًا إكمال اليوم كله وذلك منذ سن مبكرة بعد 6 أو سبع سنين وذلك حسب قدرة الطفل على التحمل.
وللصوم فائدة عظيمة للأطفال وهي ضبط كميات الغذاء التي يتناولها الطفل وخاصة الطفل البدين والذي لديه شراهة في تناول الطعام، فمع تعوده الصوم يستطيع أن يقلل من نسبة الدهون والسكريات التي يتناولها، وبالتالي تقلل من إصابته بأمراض السمنة مثل السكر والضغط وأمراض القلب, فالصوم يعتبر في هذه الحالة نوع من الرجيم.
وبذلك يقلل من الأكلات الخارجية المشبعة بالدهون الضارة، والتي لا تفيد الجسم في شيء كـ"الشبسي والبسكويت والشيكولاتة"ويجعل الطفل يشعر بالفقير والمحتاج.
ومع تعود الطفل منذ سن مبكرة يعتاد جسمه هذا الأمر ولا يجد صعوبة في صوم الشهر كله عندما يصل إلى سن التكليف لأنه أصبح فرض عليه أن يصوم ولابد من تعلمه الصواب والخطأ.
غذاء صحي
وتضيف د.سهام أن الطفل عند الإفطار يجب أن يتناول غذاءً صحيًا يحتوى على شوربة اللحم أو الدجاج؛ فهي مفيدة جدًا ومليئة بعناصر غذائية كثيرة، وكذلك يتناول الخضروات والبروتين والعصائر وبذلك تكون وجبة متكاملة وتمد جسمة بكل ما يحتاجه من عناصر غذائية هامة.
وتنصح د.سهام الأم أن تحرص على إعطاء أطفالها التمر مع اللبن وهو يعد وجبة غذائية متكاملة تحتوى على الحديد والماغنيسيوم وفيتامين A.B
لذلك يجب إعطاء الطفل مكسرات في شهر رمضان على حسب توافرها والقدرة على شرائها مثل (الجوز – اللوز –البندق- الفول السوداني) فهي تحتوى على فيتامينات A.B التي تذوب في الدهون وتحتوي كذلك على مركب (OMEGA3) وهو مركب ضد الأكسدة حيث يعمل على تكسير السموم التي توجد في الجسم.
وتشير د. سهام أن شهر رمضان يرتبط ببعض العادات الغذائية مثل الإقبال على تناول الحلويات بصورة كبيرة ولكن من الأفضل تناولها قرب السحور أو أثناء السحور؛ لأنها تمد الجسم بالطاقة وتزوده بالسكر الذي يتناقص في الجسم ويجعلنا نشعر بالتعب والإرهاق أثناء النوم, وكذلك تعمل على الإحساس بالشبع لمدة طويلة, فيجب على الأم إلا تعطي طفلها الحلوى عقب الإفطار مباشرة وكما هو متبع عندنا جميعا, لكن عليها تقديم وجبة غذائية متكاملة لطفلها أثناء الإفطار ثم تناولة الحلوى في السحور حتى لا تتخم المعدة بالطعام ويسبب الكسل والخمول للأطفال ولجميع أفراد الأسرة.
كذلك توضح د. سهام فائدة الزبادي في السحور فهو غذاء ملين ويحتوى على كمية خمائر تنبه البكتريا النافعة في المعدة لتكوين فيتامين B المفيد للجسم.
وفي النهاية تقول د. سهام إن الأطفال مرضى القلب والسرطان ومرضى السكر لا يجب عليهم الصيام وذلك بشهادة أكثر من طبيب ثقة مسلم؛ لأن الصوم قد يؤثر على صحتهم.
فوائد الصيام
يوضح (د. محمد حسن غانم) أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة حلوان أن التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل من البداية تؤثر في سلوكه طوال حياته, فالطفل يقلد كل من حوله، وعندما يرى والديه يصليان أو يصومان؛ فإنه يحاول محاكاتهم حتى يصل إلى سن التكليف فتكون العبادة فرض عليه.
والقدوة في حياة الأبناء مهمة جدًا فعلى الوالدين أن يوضحا لأولاد معني الصيام وأهميته ولم شرعه الله - عز وجل -... وما هي القيم والأخلاقيات التي نتعلمها من شهر رمضان؛ فالصوم فريضة شرعها الله - عز وجل - له أهداف عظيمة: خلقية, جسدية, اجتماعية, روحية. وعلى الأسرة أن تعلم هذا لأبنائها. فمن الناحية الجسدية أهمية الصوم تكمن أنه راحة للجسم بتقليل كميات الطعام التي نتناولها طوال شهر كامل في العام مما يؤثر على النواحي الصحية للمرء تأثيرًا إيجابيًا, كذلك الصوم يعود المسلم على التحكم في رغباته وشهواته واحتياجاته الضرورية، فتتكون لديه الثقة في النفس ومراقبة الله - عز وجل - وبالتالي الصوم يساعده أن يتحكم أو يؤجل أو يلغي بعض الرغبات والعادات الضارة على الصحة كالتدخين وغيرها.
ومن الناحية الاجتماعية يجعلنا الصوم نشعر بالفقير والمحتاج الذي لا يجد قوت يومه وفي الصوم يحرص الناس على التراحم بينهم وكظم الغيظ وكف الأذى حتى يحفظ المرء صومه.
وكما ذكر الرسول الكريم في الحديث الشريف: (إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق وإن قاتله أحد أو سابه أحد؛ فليقل: إني صائم إني صائم.
والصوم ينمي الإيمان بالغيب في قلوب الأطفال فالذي شرع الصوم هو الله - عز وجل - وهو الذي عنده الجنة والنار وبيده الموت والبعث والحساب والجزاء، وكل هذه أمور غيبية لا يصح إيمان المسلم إلا بها.
عادات سيئة
ويأسف (د. محمد على) وجود بعض العادات السيئة والتي تظهر في شهور رمضان، حيث أثبتت الدراسات والإحصائيات على زيادة معدل استهلاك الدول الإسلامية للطعام خلال شهر رمضان بمعدل أعلى من باقي شهور العام، وهذا يدل على عدم فهم المعنى العظيم والهدف الجليل للصيام.
كذلك اعتياد السهر طوال الليل أمام التلفاز أو غيرة من وسائل اللهو أو الخروج مع الأصدقاء أو جلسات السمر التي تمتد حتى السحور هو مضيعة للوقت وسوء استغلال لاوكازيون الحسنات في شهر رمضان فالسهر لا يكون مطلوبًا إلا إذا كان في طاعة الله - عز وجل - في الصلاة وتلاوة القرآن وتعلم العلم، وصلة الرحم وغيرها من أمور الخير.
كذلك هناك عادة سيئة أخرى وهي النوم كثيرًا أثناء النهار بحجة إزهاق الوقت والإرهاق من الصيام، وقد دلت الإحصائيات أيضًا على انخفاض معدل إنتاج الفرد المسلم في شهر رمضان.
لكن على المؤمن أن يستغل وقته كله فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة فنهار رمضان فرصة عظيمة لإنجاز أعمال كثيرة لتخلص المرء من ثقل الطعام الذي قد يعوقه عن التفكير.
الصلاة والصيام:
ويبين دكتور (سعيد عبد المعز) أستاذ التربية بكلية رياض الأطفال أن ارتباط تعويد الطفل الصيام يرتبط مع بداية تعلمه الصلاة من سن 7سنوات. فالطفل بطبيعته لديه حب استطلاع ورغبة في المحاكاة والتقليد؛ فعلى الوالدين أن يوجدا البيئة الخصبة لنمو الطفل وإعداده وتربية تربية صالحة.
والصوم يعود الطفل الصبر، ويؤجل الرغبات وتقوية الإرادة والمثابرة في أداء العمل وكذلك الإحساس بالفقراء والمحتاجين.
والصوم يعمل على إعادة بناء الجسم والروح معًا، وعلى الأب ولأنه رب الأسرة أن يجلس مع أولاده قبل مجيء شهر رمضان يعلمهم معني الصوم والقيام والتراويح، ويجعل لهم وردًا قرآنيا كل اليوم.
فمشاركة الطفل والديه في حدود قدراته وما يستوعبه يجعله قادرًا على اتخاذ القرار والاعتماد نفسه.
التعزيز باعتدال:
قد يستجيب بعض الأطفال بصعوبة إلى التعود على الصوم؛ فيدفع ذلك الوالدين إلى تحفيزه بإعطائه بعض الأشياء التي يحبها، لكن مع الاعتدال وعدم المبالغة في هذا حتى لا يرتبط أداء العبادة في ذهنه بحصوله على مقابل مادي من والديه.