لكل أخت تريد السعي في الطريق إلى ربِّها، تبتغي مرضاته وتأمل في التعرُّف على ربِّها جلَّ جلاله .. تعالي لنضع أيدينا اليوم على آفة من أخطر الآفات التي تقف عائقًا لكِ في الطريق، عسى الله أن يجعل في كلمات السطور القادمة النفع والعلاج لتلك الآفة ..
قال ابن القيم في رسالته لأحد إخوانه "وكل آفة تدخل على العبد فسببها: ضيـــاع الوقت وفساد القلب .. وتعود بضياع حظه من الله ونقصان درجته ومنزلته عنده؛ ولهذا وصى بعض الشيوخ فقال: احذروا مخالطة من تُضيِّع مخالطته الوقت وتفسد القلب، فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها وكان ممن قال الله فيه { .. وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28] ومن تأمل حال هذا الخلق وجدهم كلهم إلا أقل القليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى واتبعوا أهواءهم وصارت أمورهم ومصالحهم فرطا، أي: فرطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم واشتغلوا بما لا ينفعهم بل يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً"[رسالة ابن القيم (1:5,6)]
فكم من الأخوات اليوم يضيعون أوقاتهم في غير طاعة الله .. يمضونها في مجالس اللغو والغيبة والنميمة، والتجول في الأسواق بلا فائدة أو من تمضي أغلب يومها في أحلام اليقظة التي لا سبيل لتحقيقها !!
تقتل وقتها؛ لفراغ قلبها وعدم وجود هدف حقيقي لها في حيــــــاتها .. ولا تدرك بذلك أنها تُضيِّع نعمة عظيمة، قد امتن الله عزَّ وجلَّ عليها بها .. أنها نعمة الوقت، التي قد حُرم منها الكثيرون .. وقد قال تعالى {..وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: 34]
غرس بستان من النخيــــــل في الجنــــة .. عن جابر قال: قال رسول الله "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة"[رواه الترمذي وصححه الألباني] .. ولا تحسبين أنها نخلة مثل نخيل الدنيــــا، عن ابن عباس قال "نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم" [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (46:6)] وبنـــاء العديد من القصور في الجنة، بقرائتك لسورة الإخلاص 10 مرات .. قال رسول الله "من قرأ { قل هو الله أحد } حتى يختمها عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة" [حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (589)] كان الحسن البصري رحمه الله يقول: "نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن؛ ذلك أنه عاش فيها قليلاً وأخذ منها زاده إلى الجنة، وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والمنافق؛ ذلك أنه عاش فيها قليلاً وأخذ منها زاده إلى النار".
فلِما لا تغتنمين لحظات عمرك، قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه الندم؟!
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}[المؤمنون]
ألازلتِ حائرة وتائهة في الطريق؟ ألازال وقتك يضيع في الأمور غير النافعة؟ ..
فاحذري أختــــاه من تلك العوائق التي تمنعك من استثمار وقتك فيما ينفعك، وبادري بعلاجها قبل أن يفوت الآوان ..
أسبـــــــاب ضيـــــاع الوقت
السبب الأول: ضعف الإيمان ..
فعندما يضعُف الإيمان، يطول الأمل .. قال الحسن البصري "ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل" .. مما يجعل المرء يسوِّف ويؤجل الأعمال، حتى تشغله الحيـــــاة وتأخذه بعيدًا دون أن يفعل أي عمل صالح يقابل به الله جلَّ وعلا.
فإن كنتِ لا تشكرين نعمة الوقت التي قد مَنَّ الله عزَّ وجلَّ بها عليكِ وتؤدين حقها، فاعلمي أن هذا من علامات سخط الله جلَّ وعلا عليكِ ..
فعلامة المقت ضيــــــــــــاع الوقت،،
السبب الثاني: عدم إدراك أهمية الوقت ..
فإذا علمتي مدى أهمية الوقت، لِما فرطتي في ثانية واحدة من عُمرك .. كما لو أن الطبيب أخبر المريض بخطورة مرضه، سيدفعه ذلك لأخذ جميع سُبل العلاج الممكنة .. وكذلك لو جعلتي من رضا الله عزَّ وجلَّ قضيتك العظمى في الحيـــاة، ستغتنمين كل لحظة في سبيل مرضاته سبحانه وتعالى ..
عن ابن مسعود قال "ما ندمت على شيء ندمى على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي"
السبب الثالث: حب الراحـــة (الكســـل) .. مما يؤدي إلى تضييع الكثير من الأوقات هباءً.
السبب الرابع: عدم وضوح الغاية .. فلكي يكون لديكِ هدف حقيقي في الحيـــــاة، لابد أن تتوافر في هدفك أربعة شروط:
1) أن يكون الهدف واضحًا .. فكلنا هدفنا الوصول إلى جنة الرحمن، ولكنه هدف عام .. ولكي يكون واضحًا؛ لابد أن تحددي الأعمال التي ستقومين بها لكي تتقربي إلى الله عزَّ وجلَّ والفوز بجنته .. كأن تحددي المقدار الذي ستحفظينه من القرآن، أو العلوم النافعة التي ستتعلمينها، وتحددي قرارات التغيير والتوبة التي عليكِ إتخاذها.
2) أن يكون هدفًا محددًا .. فتحددين الوقت الذي تحتاجينه للإنتهاء من تحقيق هذا الهدف، وتبدأين في تنفيذه من خلال برنامج عملي مُحدد .. كأن يكون هدفك: ختم القرآن خلال هذا العام.
3) أن يكون هدفًا واقعيًا .. فلابد أن يتناسب الهدف والوقت الذي قد حددتيه لتحقيقه مع ظروفك وقدراتك .. ولا تختاري هدفًا لا يناسبك، مما يُصيبك باليأس والإحباط إذا لم تُحققيه.
4) أن يكون قابلاً للقيـــــاس .. كأن تحددي الوقت الذي تحتاجينه لحفظ الآية الواحدة، وبناءً عليه تحددين الوقت الذي تحتاجينه للحفظ خلال اليوم ومن ثم تضعين برنامجك العملي الذي ستسيرين عليه.
وهكذا ينبغي أن يكون لديكِ خطة مُحددة للسير في الطريق إلى جنة الرحمن،،
السبب الخامس: دنو الهمَّة ..
فلا تدعين نفسك للأحلام والأماني وتكتفي بقول: سأحـــاول! .. بل عليكِ أن تستعيني بالله وتُكثرين من الدعـــــاء؛ حتى يُبلِّغك الله جلَّ وعلا هدفِك.
واحذري من التسويف وتأجيل التوبة .. فلا تدرين إن كان سيمتد بكِ العمر للقيام بها .. عن أبي الجلد، قال "وجدت التسويف جنداً من جنود إبليس، قد أهلك خلقاً من خلق الله كثيرًا". [حلية الأولياء (2:480)]
فمتى تأخذين القرار وتصححين المســـار ؟!!
استعيني بالله ولا تعجزي، واكثري من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله".
السبب السادس: القدوة السيئة ..
فمجالستك لمن يُضيعون أوقاتهم في القيل والقال، تعود عليكِ بالخسران في الدنيا والآخرة .. ولو كان الله جلَّ وعلا عظيمًا في قلبِك، لما ضيعتي وقتِك في مثل تلك الأمور ..
فإيــــاكِ أن تدعي أحدًا يتحكم في وقتِك .. ولا تجالسي إلا الأخوات اللاتي يأخذن بيديكِ إلى طريق الجنة .. وراجعي حساباتك مع أخواتِك؛ لكي لا تضيع أوقاتكن سُدى.
السبب السابع: التربيــــة الخاطئة ..
فالتربية على عدم احترام الوقت، تجعل المرء يعتاد ذلك وينشأ وهو يعاني من العبثية والفوضوية .. وواجبك أن تتلافي أخطاء الأجيال السابقة، بأن تربي أبناءك على اغتنام الوقت وتعظيمه.
السبب الثامن: العــادات ..
فعندما تكوني مرتبطة بأعمال هامة، تقومين بتنظيم وقتك جيدًا .. أما في غير ذلك فتعيشين حياة العبثية .. مثلما يحدث أيــــام الدراسة، تضبطين مواعيدك للاستيقاظ مبكرًا وحضور المحاضرات، وتحديد وقت مُعين للمذاكرة .. كل ذلك من أجل التفوق الدراسي، وبعد الانتهاء منها لا يكون هناك نظام في حياتك ..
ألا تريدين أن تنجحي مع الله جلَّ وعلا؟!
فاستشعري خطورة الوقت وأن وقت امتحانك في هذه الدنيـــا قد أوشك على الانتهاء،،
السبب التاسع: عدم تحديد الأولويــــــات ..
فلابد أن تحددي قدراتك والمجالات التي تستطيعين فيها خدمة دين الله عزَّ وجلَّ، ولا تتركين نفسك للرغبة في فعل جميع الأعمال .. وإلا سيضيع منكِ الوقت دون فعل أي شيء.
خطوات عملية لاستغلال الوقت ..
1) قيــــاس القدرات الإيمانيـــــة .. فلكي تتمكني من استغلال وقتك بالشكل الأنسب، لابد أن تقيسي قدراتك الإيمانية .. مثلما يقوم اللاعبون الرياضيون بقياس قدراتهم البدنية، لمعرفة الرياضات والمستويات المناسبة لقدراتهم ..
فعليكي أن تقيسي خلال عشر دقائق .. عدد الصفحات التي تقرأينها من القرآن، وعدد الآيات التي تستطيعين حفظها في ذلك الوقت .. ومقدار الذكر الذي ستقولينه فيهم؛ سواء كان استغفار أو صلاة على النبي أو أيٍ من الأذكار الأخرى .. وعدد الركعات التي بإمكانك صلاتها من النوافل في ذلك الوقت .. وأيضًا عليكِ حساب المقدار الذي تقرأينه في أي مجال نافع خلال تلك العشر دقائق.
وبناء على هذا الاختبار، ستعرفين قيمة الدقيقة في حياتك .. وستتمكنين من تحديد برنامجك اليومي، بما يُناسب قدراتك.
2) غيِّري من عـــاداتك .. التي تتسبب في إضاعة وقتك، كالمكالمات الهاتفية .. فقبل أن تُجري أي مكالمة، عليكِ أن تحددي النقاط النافعة التي ستتحدثين فيها مع أختك في الله بدلاً من الكلام الذي ليس له فائدة ..
وهكذا عليكِ أن تُغيِّري من جميع العادات التي تُضيِّع وقتك، واحدةً تلو الأخرى ..
وإيـــــاك أن تستسلمي لتثبيــــط الشيطان، الذي يوهمك بأنك لن تتغيري ..
بل أحسني الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ، وهو القادر على أن يأخذ بأيدينا في الطريق إليه وإلى الجنة،،