قال له اليهودي: فإن هذا سليمان
أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
فقال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله وهو ميكائيل ؟ فقال له : يا محمد عش ملكا منعما ، وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك ، وتسير معك جبالها ذهبا وفضة ، لا ينقص لك فيما أدخر لكفي الآخرة شيء ، فأومأ إلى جبرائيل عليه السلام وكان خليله من الملائكة – فأشار إليه : أن تواضع .
فقال : بل أعيش نبيا عبدا ، آكل يوما ولا آكل يومين ، وألحق بإخواني من الأنبياء من قبلي ، فراده الله تعالى :
الكوثر ، وأعطاه الشفاعة ، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة ، ووعده المقام المحمود ، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش ، فهذا أفضل مما أعطي سليمان ابن داود عليه السلام .
قال له اليهودي : فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر .
فقال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا : إنه اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر ، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلى ، فدلي له من الجنة رفرف(39) أخضر و غشى النور بصره فرأى عظمة ربه عزّ وجلّ بفؤاده ولم يرها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، فكان فيما أوحى إليه(40) الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة284 وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرضها على أمته فقبلوها .
فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها ، فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ } فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم مجيبا عنه وعن أمته ، فقال جل ذكره : لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أمال إذا فعلت بنا ذلك { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285 يعني المرجع في الآخرة ، قال : فأجابه الله جل ثناؤه : وقد فعلت ذلك بك وبأمتك، ثم قال عزّ وجلّ : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك ، فحق عليَّ أن أرفعها عن أمتك . فقال { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ } من خير { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } من شر .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع ذلك : أما إذ فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني . قال : سل .
قال : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } .
قال الله عزّ وجلّ : لست أو اخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليَّ .
وكانت الأمم السالفة : إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أمتك .
وكانت الأمم السالفة : إذا أخطئوا اخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك عليَّ .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إذ أعطيتني ذلك فزدني .
فقال الله تعالى له : سل . قال : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } يعني بالأصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك .
فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة . كنت : لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا ، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك .
وكانت الأمم السالفة : إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم ، وقد جعلت الماء لامتك طهورا ، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.
وكانت الأمم السالفة : تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا(41) ، وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا ، وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار التي كانت على من كان قبلك .
وكانت الأمم السالفة : صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك و فرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم .
وكانت الأمم السالفة : قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة ، و جعلت لهم أجر خمسين صلاة .
وكانت الأمم السالفة : حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة و هي من الآصار التي كانت عليهم ،فرفعتها عن أمتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة .
وكانت الأمم السالفة : إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة ، وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك .
وكانت أمم السالفة : إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة ، وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن أمتك .
وكانت الأمم السالفة : إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم ، وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم ، وجعلت عليهم ستورا كثيفة ، وقبلت توبتهم بلا عقوبة ، ولا أعاقبهم بأن احرم عليهم أحب الطعام إليهم .
وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك ، وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة العين فأغفر له ذلك كله .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدني . قال : سل . قال : { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } .
فقال تبارك اسمه : قد فعلت ذلك بأمتك ، وقد رفعت عنهم أعظم بلايا الأمم ، وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا } قال الله عزّ وجلّ : قد فعلت ذلك بتائبي أمتك .
ثم قال : { فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286 قال الله عز اسمه : إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، هم القادرون وهم القاهرون ، يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك عليَّ ، وحق عليَّ أن اظهر دينك على الأديان حتى لا يبقي في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك ، أو يؤدون إلى أهل دينك الجزية .
قال له اليهودي : فإن هذا سليمان عليه السلام سخرت له الشياطين ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ولقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من هذا ، أن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها . وقد سخرت لنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الشياطين بالإيمان فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم من جن نصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر (42) من الأحجة(43) منهم : شضاة ، ومضاة (44) والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاة ، وهصب ، وهاضب(45)وعمرو ، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ}وهم { يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ }الأحقاف29 .
فأقبل إليه الجن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين ، فاعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا ، وهذا أفضل مما أعطي سليمان ،
سبحان من سخرها لنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن كانت تتمرد وتزعم أن لله ولدا ، فلقد شمل مبعثه من الجن والإنس مالا يحصى .
قال له اليهودي : فهذا يحيى بن زكريا .
يقال : إنه أوتي الحكم صبيا والحلم والفهم ، وإنه كان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن يجيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية .
ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان ولم يرغب لهم في صنم قط ، ولم ينشط لأعيادهم ، ولم ير منه كذب قط صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أمينا صدوقا حليما ، وكان يواصل صوم الأسبوع والأقل وأكثر ، فيقال في ذلك ، فيقول : إني لست كأحدكم ، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني ، وكان يبكي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم .
قال له اليهودي : فإن هذا عيسى بن مريم
يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض ، ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد ، وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام وما يليها ، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها ، والقصور البيض من إصطخر وما يليها ، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى فزعت الجن والأنس والشياطين ، وقالوا : حدث في الأرض حدث .
ولقد رئُيت الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس ، وتضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده ، ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة ، والشياطين يسترقون السمع ، فلما رأوا الأعاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هموا قد حجبوا من السماوات كلها ، ورموا بالشهب ؛ دلالة لنبوته صلى الله عليه وآله وسلم .
قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله عز وجل .
فقال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعطي ما هو أفضل من ذلك، أبرأ ذا العاهة من عاهته ، فبينما هو جالس صلى الله عليه وآله وسلم إذ سأل عن رجل من أصحابه .
فقالوا : يا رسول الله إنه قد صار من البلاء ، كهيئة الفرخ لا ريش عليه فأتاه عليه السلام ، فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء ، فقال : قد كنت تدعو في صحتك دعاء ؟ قال : نعم ، كنت أقول : يا رب أيما عقوبة معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا قلت : ( اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ؟ فقالها : فكأنما نشط من عقال(46) وقام صحيحا وخرج معنا .
ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ قدحا من ماء فتفل فيه ثم قال : امسح به جسدك ففعل فبرئ لم يوجد فيه شيء ، ولقد أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأعرابي أبرص فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا .
ولئن زعمت : أن عيسى عليه السلام أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم .
فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم : بينما هو في بعض أصحابه إذا هو بامرأة فقالت : يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت ، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب ، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه فلما أتيناه قال له : جانب يا عدو الله ولي الله فأنا رسول الله ، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا .
ولئن زعمت : أن عيسى عليه السلام أبرأ العميان .
فإن محمداً صلى الله عليه قد فعل أكبر من ذلك : إن قتادة بن ربعي كان رجلا صبيحا ، فلما أن كان يوم أُحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده ، ثم أتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إن امرأتي الآن تبغضني . فأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى .
ولقد جرح عبد الله بن عتيك وبانت يده يوم حنين فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأخرى .
ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه ويده ، فمسحه رسول الله فلم تستبينا .
ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الأخرى ، فهذه كلها دلالة لنبوته صلى الله عليه وآله وسلم .
قال له اليهودي : فإن عيسى بن مريم يزعمون أنه قد أحيى الموتى بإذن الله تعالى .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم سبحت في يده تسع حصيات ، تسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجة نبوته .
ولقد كلمته الموتى من بعد موتهم و استغاثوه مما خافوا من تبعته ، ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال : ما ههنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي ؟ وكان شهيدا .
ولئن زعمت أن عيسى عليه السلام كلم الموتى ، فلقد كان لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أعجب من هذا ،إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية ( مطبوخة ) بسم ، فنطق الذراع منها فقالت : يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة ، فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله عز وجل على المنكرين لنبوته ، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي(47) .
ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم : يدعو بالشجرة فتجيبه ، وتكلمه البهيمة ، وتكلمه السباع وتشهد له بالنبوة وتحذرهم عصيانه ، فهذا أكثر مما أعطي عيسى عليه السلام .
قال له اليهودي : إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم فعل ما هو أكثر من هذا ، إن عيسى عليه السلام أنبأ قومه بما كان من وراء حائط . ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنبأ عن مؤتة(48) وهو عنها غائب ، ووصف حربهم ومن استشهد منهم ، وبينه وبينهم مسيرة شهر .
وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء ، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم : تقول أو أقول ؟ فيقول : بل قل يا رسول الله .
فيقول : جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته.
ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم : يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئاً :
منها : ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب إذا أتاه عمير فقال : جئت في فكاك ابني . فقال له : كذبت بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر ، وقلتم : والله للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد صلى الله عليه وآله وسلم بنا ، وهل حياة بعد أهل القليب ؟
فقلت أنت : لولا عيالي ودين علي لأرحتك من محمد ، فقال صفوان : عليَّ أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن من خير أو شر .
فقلت أنت : فأكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله ، فجئت لتقتلني ، فقال : صدقت يا رسول الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وأشباه هذا مما لا يحصى .
قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عز وجل .
فقال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم قد فعل ما هو شبيه بهذا أخذ يوم حنين حجرا ، فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم للحجر : انفلق فانفلق ثلاث فلق ، نسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى .
ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكل غصن منها تسبيح وتهليل و تقديس ، ثم قال لها : انشقي فانشقت نصفين ، ثم قال لها : التزقي فالتزقت ، ثم قال لها : اشهدي لي بالنبوة فشهدت ، ثم قال لها : ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ، ففعلت ، وكان موضعها بجنب الجزارين بمكة .
قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا .
فقال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت سياحته في الجهاد ، واستنفر في عشر سنين مالا يحصى من حاضر وباد ، وأفنى فئاما(49) عن العرب من منعوت بالسيف ، لا يداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم ، ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه .
قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهدا .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أزهد الأنبياء عليهم السلام ، كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الإماء ، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام ، وما أكل خبز بر قط ، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط ، توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم ، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ(50) له من البلاد ومكن له من غنائم العباد ، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلاث مائة ألف وأربعمائة ألف ، ويأتيه السائلبالعشي فيقول : والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ولا صاع من بر ولا درهم ولا دينار .
قال له اليهودي :فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله ، وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وزاد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على الأنبياء صلوات الله عليهم أضعاف درجة .
فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب عليه السلام : أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم ، فقال : ويحك ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عز وجل في عظمته ، فقال جلت عظمته : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم 4 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
الحديث الثاني
حديث جامع لبعض معجزات نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ـــ ( قصة حديث المعجزات وسبب ذكره ) ـ :
في قرب الإسناد : عن الحسن بن ظريف ، عن معمر ، عن الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال :
كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ذات يوم وأنا طفل خماسي(1) إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا : أنت ابن محمد نبي هذه الأمة ، والحجة على أهل الأرض ؟
قال لهم : نعم .
قالوا : إنا نجد في التوراة إن الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم وولده الكتاب والحكم والنبوة ، وجعل لهم الملك والإمامة ، وهكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة والخلافة والوصية ، فما بالكم قد تعداكم ذلك ، وثبت في غيركم ، ونلقاكم مستضعفين مقهورين ، لا يرقب فيكم ذمة نبيكم(2) ؟
فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ، ثم قال : نعم لم تزل أنبياء الله(3) مضطهدة(4) مقهورة مقتولة بغير حق ، والظلمة غالبة، وقليل من عباد الله الشكور .
قالوا : فإن الأنبياء وأولادهم علموا من غير تعليم ، وأوتوا العلم تلقينا(5) ، وكذلك ينبغي لأئمتهم وخلفائهم وأوصيائهم ، فهل أوتيتم ذلك ؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام : أدنه يا موسى ، فدنوت فمسح يده على صدري ، ثم قال : اللهم أيده بنصرك بحق محمد وآله .
ثم قال : سلوه عما بدا لكم .
قالوا : وكيف نسأل طفلا لا يفقه ؟
قلت : سلوني تفقها ، ودعوا العنت(6) .
قالوا : أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران .
قلت : العصا ، وإخراجه يده من جيبه بيضاء ، والجراد ، والقمل ، والضفادع، والدم ، ورفع الطور ، والمن والسلوى آية واحدة ، وفلق البحر .
قالوا : صدقت ، فما أعطي نبيكم من الآيات اللاتي نفت الشك عن قلوب من أرسل إليه ؟
قلت : آيات كثيرة أعدها إن شاء الله ، فاسمعوا وعوا وافقهوا .
ـــ ( معجزات نبينا قبل البعثة ) ـ :
أما أول ذلك : فإن أنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت في أوان(7) رسالته بالرجوم ، وانقضاض النجوم ، وبطلان الكهنة والسحرة .
ومن ذلك : كلام الذئب يخبر بنبوته ، واجتماع العدو والولي على صدق لهجته ، وصدق أمانته ، وعدم جهله أيام طفوليته ، وحين أيفع ، وفتى(8) وكهلا ، لا يعرف له شكل(9) ، ولا يوازيه مثل .
ومن ذلك : إن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه(10) قريش فيهم عبد المطلب ، فسألهم عنه ، ووصف لهم صفته ،فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد ، فقال : هذا أوان مبعثه ومستقره أرض يثرب وموته بها .
ومن ذلك : إن أبرهة بن يكسوم(11) قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه ، فقال عبد المطلب : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، ثم جمع أهل مكة فدعا ، وهذا بعدما أخبره سيف بن ذي يزن ، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيرا أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها .
ـ( معجزات نبينا بعد البعثة في مكة )ـ :
ومن ذلك : إن أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه وهو نائم خلف جدار ، ومعه حجر يريد أن يرميه به ، فالتصق بكفه .
ومن ذلك : إن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله(12) بحقه ، فأتى قريشا فقال : أعدوني على أبي الحكم فقد لوى بحقي ، فأشاروا إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي في الكعبة .
فقالوا : ائت هذا الرجل فاستعديه عليه ، وهم يهزؤون بالإعرابي ، فأتاه فقال له : يا عبد الله أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي ، قال : نعم ، فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه ، فخرج إليه متغيرا فقال له ما حاجتك ؟ قال : أعط الإعرابي حقه .
قال : نعم ، وجاء الإعرابي إلى قريش فقال : جزاكم الله خيرا ، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فأخذ حقي ، وجاء أبو جهل فقالوا : أعطيت الإعرابي حقه ؟ قال : نعم ، قالوا : إنما أردنا أن نغريك بمحمد(13) ونهزأ بالإعرابي ، قال : يا هؤلاء دق بابي فخرجت إليه ، فقال : أعط الإعرابي حقه ، وفوقه مثل الفحل فاتحا فاه كأنه يريدني ، فقال : أعطه حقه ، فلو قلت : لا ، لأبتلع رأسي ، فأعطيته .
ومن ذلك : إن قريشا أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود ، وقالوا لهما : إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه ، وهما قد سألوهم عنه ، فقالوا : صفوا لنا صفته ، فوصفوه .
وقالوا : من تبعه منكم ؟ قالوا : سفلتنا ، فصاح حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة ، ونجد قومه أشد الناس عداوة له .
ومن ذلك : إن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتى يخرج إلى المدينة في طلبه فلحق به ، فقال صاحبه : هذا سراقة يا نبي الله .
فقال : اللهم أكفنيه ، فساخت قوائم ظهره(14) . فناداه يا محمد خل عني بموثق أعطيكه أن لا أناصح غيرك ، وكل من عاداك لا أصالح . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إن كان صادق المقال فأطلق فرسه ، فأطلق فوفى ، وما انثنى بعد ذلك (15) .
ـ( معجزات نبينا في المدينة المنورة )ـ :
ومن ذلك : أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عامر لأزيد : إذا أتيناه فأنا أشاغله عنك فاعله بالسيف(16) ، فلما دخلا عليه قال عامر : يا محمد حال(17) . قال : لا حتى تقول : لا إله إلا الله ، وإني رسول الله . وهو ينظر إلى أربد ، وأربد لا يخبر شيئا(18) ، فلما طال ذلك نهض وخرج ، وقال لأربد : ما كان أحد على وجه الأرض أخوف منك على نفسه فتكا منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم .
فقال له أربد : لا تعجل فإني ما هممت بما أمرتني به إلا دخلت الرجال بيني وبينك حتى ما أبصر غيرك فأضربك .
ومن ذلك : إن أربد بن قيس والنضر بن الحارث اجتمعا على أنيسألاه عن الغيوب ، فدخلا عليه فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربد فقال : يا أربد أتذكر ما جئت له يوم كذا وكذا ومعك عامر بن الطفيل ؟ وأخبر بما كان منهما ، فقال أربد : والله ما حضرني وعامرا أحد وما أخبرك بهذا إلا ملك السماء ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله .
ـ( معجزة إجابة نبينا عن الأسئلة قبل أن يُسأل )ـ :
ومن ذلك : أن نفرا من اليهود أتوه فقالوا لأبي الحسن جدي : استأذن لنا على ابن عمك نسأله ، فدخل علي عليه السلام فأعلمه
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وما يريدون مني ؟ فإني عبد من عبيد الله ، لا أعلم إلا ما علمني ربي ، ثم قال : أذن لهم فدخلوا عليه .
فقال : أتسألوني عما جئتم له أم أنبئكم ؟ قالوا : نبئنا .
قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم .
قال : كان غلاما من أهل الروم ، ثم ملك وأتى مطلع الشمس ومغربها ، ثم بنى السد فيها ، قالوا :نشهد أن هذا كذا .
ومن ذلك : أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال : لا أدع من البر والأثم شيئا إلا سألته عنه ، فلما أتاه قال له بعض أصحابه : إليك يا وابصة عن رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : دعه ، أدنه يا وابصة ، فدنوت . فقال : أتسأل عما جئت له أو أخبرك ؟ قال : أخبرني .
قال