و عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الناس : كيف الصلاة عليه ؟
فقال عليّ صلوات الله وسلامه عليه : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إمامنا حيّاً وميّتاً ، فدخل عليه عشرة عشرة فصلّوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء ، حتّى الصباح ويوم الثلاثاء ، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وضواحي المدينة ، بغير إمام .
وخاض المسلمون في موضع دفنه ، فقال عليّ عليه السلام : « إنّ الله سبحانه لم يقبض نبيّاً في مكان إلاّ وارتضاه لرمسه فيه ، وإنّي دافنه في حجرته التي قبض فيها » فرضي المسلمون بذلك .
فلمّا صلّى المسلمون عليه أنفذ العبّاس رجلاً إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ، وكان يحفر لأهل مكّة ويصرح ، وأنفذ إلى زيد بن سهل أبي طلحة ، وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد ، فاستدعاهما ، وقال : اللهم خر لنبيّك ، فوجد أبو طلحة فقيل له : اُحفر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فحفر له لحداً .
ودخل أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه والعباس والفضل وأُسامة بن زيد ليتولّوا دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فنادت الأنصار من وراء البيت : يا عليّ إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يذهب ، أدخِل منّا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .
فقال : ( ليدخل أوس بن خولي ) رجل من بني عوف بن الخزرج وكان بدريّاً ، فدخل البيت وقال له عليّ صلوات الله وسلامه عليه : « أنزل القبر » فنزل ، ووضع عليّ عليه السلام رسول الله على يديه ثمّ دلاه في حفرته ثمّ قال له : ( اخرج ) فخرج .
ونزل عليّ عليه السلام فكشف عن وجهه ووضع خدَّه على الأرض موجّهاً إلى القبلة على يمينه ، ثمّ وضع عليه اللبن وهال عليه التراب[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
فسلام الله وصلاة عليه وعلى آله يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً ، طبت يا رسول الله حياً وميتاً ، فقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ، وجزاك الله المقام المحمود الذي وعدك ، وزقنا الله الثبات على دينك الحق ، وحشرنا الله معك في الدنيا والآخرة ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
الأمر الثاني
مختصر عمر نبينا الأكرم الذي عمر به الدنيا
عاش نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم سعيدا مجاهدا نبينا رسولا وسراجا منيرا ورحمة للعالمين ونذيرا بشيرا إلى يوم الدين ، حتى كان أشرف المرسلين وخاتم النبيين وأكرم إنسان في الوجود سواء قبل الخلق أو في الدنيا أو في البرزخ وفي يوم القيامة وفي الآخرة ، وهكذا يلحقه بالكرامة الإلهية آله المعصومين ثم أتباعهم المخلصين بدينهم لرب العالمين ، وهذا بشهادة الله والملائكة و أولي العلم وكل المؤمنين والطيبين .
بعمره الشريف : عمر الدنيا بالهدى الحق والدين الإلهي الصادق ، فكان رسولا مبلغا لهدى الله بصراط مستقيم ، وفي كل مجالات الحياة وتطبيقه عين الهدى والنعيم ، وفاز من تمسك به وأخلص لله بدينه القويم ، فهو تمام تجلي أسماء الله الحسنى في الوجود وكمال ظهورها به ، حتى كان مظهرا حقا لها ورحمة للمؤمنين وغضب الله على الكافرين ، وهدى ونورا للطيبين ، ومن ضل عنه كان خاسرا لنوره مظلما وجوده حتى يوم الدين، فهو نور الله ورضاه وبدينه يعبد الله ويشكر ويرضاه، فرحمه الله ووهبه لواء الحمد والمقام المحمود الذي وعده، وجعلنا معه في أعلى عليين إنه أرحم الراحمين ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
أما مدة عمره الشريف بجسده في الدنيا :
فقد كانت مدة عمره عليه الصلاة والسلام : (63) ثلاثاً وستين سنة .
منها مع أبيه سنتين وأربعة أشهر . وتوفت أمه وعمره ستة سنوات .
ومع جدّه عبد المطلب للسنة الثامنة . ثمّ كفّله عمّه أبو طالب بعد وفاة جدّه عبد المطّلب فكان يكرمه ويحميه وينصره .
فخرج لأول تجارة معه له وعمره الشريف أثنى عشر سنة وشهرين .
وتزوّج بخديجة بنت خوليد وهو ابن خمس وعشرين سنة.
وتوفّي عمّه أبو طالب وله ستّ وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً. وتوفّيت خديجة بعده بثلاثة أيّام .
وسمّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك العام عام الحزن .
وروى هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ( ما زالت قريش كاعّة عنّي حتّى مات أبو طالب ) .
وأقام صلى الله عليه وآله وسلّم بمكّة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة.
ثمّ هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيّام وقيل:ستّة أيّام.
ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول وبقي بها عشر سنين . ثمّ قبض صلى الله عليه وآله وسلّم يوم الاَثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا ، فقد مات صلى الله عليه وآله حميدا كريما عند الله وكل الطيبين ، شكر الله سعيه وضاعف أجره ، ورزقه الله المقام المحمود الذي وعده وأتحفه بالكرامة والعز الأبدي ، له ولمن تبع وأخلص لله بهداه ودينه ، ونسأ الله بحقه وبحق آله الطيبين الطاهرين أن يرقنا دينه ورضاه لنا علما وعملا ، ويجعلنا الله معه في الدنيا والآخرة ، في رضاه ومزيد كرامته تحت عرشه في جنة الخلد والكرامة والعز والنعيم الأبدي ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم اللهمن قال آمين يا رب العالمين .
الأمر الثالث
خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر
واجتمعت الأنصار : في سقيفة بني ساعدة يوم توفي ، ورسول الله يغسل ، فأجلست سعد بن عبادة الخزرجي ، وعصبته بعصابة ، وثنت له وسادة .
وبلغ أبا بكر وعمر و المهاجرين ، فأتوا مسرعين ، فنحوا الناس عن سعد ، وأقبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح .
فقالوا : يا معاشر الأنصار ! منا رسول الله ، فنحن أحق بمقامه .
وقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير !
فقال أبو بكر : منا الأمراء وأنتم الوزراء . فقام ثابت بن قيس ابن شماس ، وهو خطيب الأنصار ، فتكلم وذكر فضلهم .
فقال أبو بكر : ما ندفعهم عن الفضل ، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل ، ولكن قريش أولى بمحمد منكم ، وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله : اللهم اعز الدين به ! وهذا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال رسول الله : أمير هذه الأمة ، فبايعوا أيهما شئتم !
فأبيا عليه ـ عمر وأبي عبيده ـ وقالا : والله ما كنا لنتقدمك ، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين . فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر ، وثنى عمر ، ثم بايع من كان معه من قريش .
ثم نادى أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ! إنكم كنتم أول من نصر ، فلا تكونوا أول من غير وبدل .
وقام عبد الرحمن بن عوف فتكلم فقال : يا معشر الأنصار ، إنكم ، وإن كنتم على فضل ، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي .
وقام المنذر بن أرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ، يعني علي بن أبي طالب .
فوثب بشير بن سعد من الخزرج ، فكان أول من بايعه من الأنصار ، وأسيد بن حضير الخروجي ، وبايع الناس حتى جعل الرجل يطفر وسادة سعد بن عبادة ، وحتى وطئوا سعدا .
وقال عمر : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا .
وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم ، بويع أبو بكر .
فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمد . فقال العباس : فعلوها رب الكعبة .
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي ، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس ، وكان لسان قريش ، فقال :
يا معشر قريش ، إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، وصاحبنا أولى بها منكم .
وقام عتبة بن أبي لهب فقال :
ما كنت أحسب أن الأمر منصـرف
عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
عن أول الناس إيمانا وسابقــة
وأعلم النــاس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهدا بالنبي و مـن
جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمتــرون به
وليس في القوم ما فيه من الحسن
فبعث إليه علي فنهاه ، وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم :
العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب .
فأرسل أبو بكر : إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي ؟
قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي ، إذا مال معكم .
فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمدا نبيا وللمؤمنين وليا ، فمن عليهم بكونه بين أظهرهم ، حتى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس أمورا ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين ، فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعيا ، فوليت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتشديده ، وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت ، وإليه أنيب .
وما انفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامة المسلمين يتخذكم لجأ ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع ، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإما صرفتموهم عما مالوا إليه ، ولقد جئناك ونحن نريد أن لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك عنكم ، وعلى رسلكم بنى هاشم ، فإن رسول الله منا ومنكم .
فقال عمر بن الخطاب : إي والله وأخرى ، إنا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرها أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم .
فحمد العباس الله وأثنى عليه وقال : إن الله بعث محمدا كما وصفت نبيا وللمؤمنين وليا ، فمن على أمته به ، حتى قبضه الله إليه ، واختار له ما عنده ، فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق ، لا مائلين بزيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله فحقا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدمنا في أمرك فرضا ، ولا حللنا وسطا ، ولا برحنا سخطا ، وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين .
ما أبعد قولك : من أنهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك ، فأما ما قلت إنك تجعله لي ، فإن كان حقا للمؤمنين ، فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض ، وعلى رسلك ، فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها .
فخرجوا من عنده .
وكان فيمن تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم ؟
وقال لعلي بن أبي طالب :
امدد يدك أبايعك ، وعلي معه قصي ، وقال :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم
ولا سيما تيم بن مـرة أو عدي
فما الأمـــر إلا فيكم وإليكم
و ليس لها إلا أبـو حسن علي
أبا حسن فاشدد بها كف حـازم
فإنـك بالأمر الذي يرتجى ملي
و إن أمرء يرمي قصي وراءه عزيز
الحمى والناس من غالب قصي
وكان خالد بن سعيد غائبا ، فقدم فأتى عليا فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك .
واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له .
فقال لهم : اغدوا على هذا محلقين الروؤس .
فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر .
وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله .
فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج الزبير ومعه السيف فلقيه عمر فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه .
ودخلوا عمر الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولاعجن إلى الله !
فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما .
ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع .
ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وتفصيل خبر السقيفة وكيفية بيعة علي عليه السلام والهجوم على الدار راجع كتاب السقيفة ، وما كتبه المؤرخون عنها .
وقالوا : وبعثوا إلى عكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيره فأحضروهم ، وعقدوا لهم الرايات على نواحي اليمن والشام ، ووجّهوهم من ليلهم .
وبعثوا إلى أبي سفيان فارضوه بتولية يزيد بن أبي سفيان.
قال : ولمّا بايع الناس أبا بكر قيل له : لو حبست جيش اُسامة واستعنت بهم على من يأتيك من العرب ؟ وكان في الجيش عامّة المهاجرين .
فقال اُسامة لأبي بكر : ما تقول في نفسك أنت ؟
قال : قد ترى ما صنع الناس ، فأنا اُحبّ أن تأذن لي ولعمر .
قال : فقَد أذنت لكما .
قال : وخرج أسامة بذلك الجيش ، حتى إذا انتهى إلى الشام عزله واستعمل مكانه يزيد بن أبي سفيان .
فما كان بين خروج أسامة ورجوعه إلى المدينة إلاّ نحو من أربعين يوماً ، فلمّا قدم المدينة قام على باب المسجد ثمّ صاح :
يا معشر المسلمين ، عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فتأمّر عليّ وعزلني [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!
الأمر الرابع
أيام أبي بكر ومقاومة علي عليه السلام
وكانت : بيعة أبي بكر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة 11 ، في اليوم الذي توفي فيه رسول الله .
واسم أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر .
وكان يسكن بالسنح خارج المدينة ، وكانت امرأته حبيبة بنت خارجة فيه ، وكان له أيضا منزل بالمدينة فيه أسماء بنت عميس ، فلما ولي كان منزله المدينة .
وأتته فاطمة ابنة رسول الله تطلب ميراثها من أبيها .
فقال لها : قال رسول الله : إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة .
فقالت : أفي الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟
أما قال رسول الله : المرء يحفظ ولده ؟
فبكى أبو بكر بكاء شديدا . وأمر أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه .
وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره .
فقال : فما تقول في نفسك ؟
فقال : يا ابن أخي ! فعل الناس ما ترى فدع لي عمر ، وانفذ لوجهك .
فخرج أسامة بالناس وشيعه أبو بكر فقال له : ما أنا بموصيك بشيء ، ولا آمرك به ، وإنما آمرك ما أمرك به رسول الله ، وامض حيث ولاك رسول الله ، فنفذ أسامة ، فأقام منذ خرج إلى أن قدم المدينة منصرفا ستين يوما ، أو أربعين يوما ، ثم دخل المدينة ولواؤه معقود ، حتى يدخل المسجد ، فصلى ، ثم دخل إلى بيته ولواؤه الذي عقده رسول الله معه .
وصعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله بمرقاة ، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال :
إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن زغت فقوموني ! لا أقول إني أفضلكم فضلا ، ولكني أفضلكم حملا . وأثنى على الأنصار خيرا ، وقال : أنا وإياكم ، معشر الأنصار ، كما قال القائل :
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت
بنا نعلنا في الواطئين فزلــت
أبوا أن يملونا ولــو أن أمنـا
تلاقي الذي يلقون منا لملــت
فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر ، فغضبت قريش ، وأحفظها ذلك ، فتكلم خطباؤها ، وقدم عمرو بن العاص ، فقالت له قريش : قم فتكلم بكلام تنال فيه من الأنصار ! ففعل ذلك .
فقام الفضل بن العباس فرد عليهم ثم صار إلى علي ، فأخبره وأنشده شعرا قاله .
فخرج علي مغضبا حتى دخل المسجد ، فذكر الأنصار بخير ، ورد على عمرو بن العاص قوله .
فلما علمت الأنصار ذلك سرها وقالت : ما نبالي بقول من قال مع حسن قول علي ، واجتمعت إلى حسان ابن ثابت ، فقالوا : اجب الفضل .
فقال : إن عارضته بغير قوافيه فضحني .
فقالوا : فاذكر عليا فقط ، فقال :
جزى الله خيرا والـجزاء بكفـه
أبا حسـن عنا و من كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهـله
فصـدرك مشروح و قلبك ممتحن
تمنت رجـال من قريش أعـزة
مكانـك هيهات الهزال من السمن
وأنـت من الإسلام في كل منزل
بمنزلـة الطرف البطين من الرسن
غضبت لنا إذ قال عمرو بخصـلة
أمات بها التقوى وأحيى بها الإحن
وكنت المرجى من لوي بن غالب
لما كان منـه والذي بعد لم يكن
حفظت رسول الله فينا وعهـده
إليك ومـن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى و وصيـه
و أعلم فهــر بالكتاب وبالسنن
فحقك مادامت بنجــد وشيجة
عظيماً علينا ثم بعد على اليمن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وقال الأميني في الغدير[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في شرح شعر حسان قوله :
فصدرك مشروح : إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام ، فإنها نزلت في علي وحمزة . رواه الحافظ محب الدين الطبري[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن الحافظين الواحد وأبي الفرج ، وفي ذخائر العقبى[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
قوله : وقلبك ممتحن : أشار به إلى النبوي الوارد في أمير المؤمنين : انه أمتحن الله قلبه بالإيمان[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
قوله : ألست أخاه في الهدى ووصيه . أوعز به إلى حديثي الإخاء والوصية ، وهما من الشهرة والتواتر بمكان عظيم ، يجدهما الباحث في جل مسانيد الحفاظ والإعلام [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
قوله : وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن . أراد به ما ورد في علم علي أمير المؤمنين بالكتاب والسنة . أخرج الحفاظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث فاطمة سلام الله عليها :
زوجتك خير أهلي أعلمهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأولهم إسلاما .
وفي حديث آخر : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب .
وفي ثالث : أعلم الناس بالله وبالناس .
وفي حديث : يا علي لك سبع خصال وعد منها : وأعلمهم بالقضية ، وأخرج محب الدين الطبري عن عائشة : انه أعلم الناس بالسنة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي كفاية الكنجي عن أبي أمامة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : أعلم أمتي بالسنة والقضاء بعدي علي إبن أبي طالب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وأخرج الخوارزمي وشيخ الإسلام الحمويي في فرايده في الباب الثامن عشر بإسناده عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وأخرج الحفاظ عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا .
و عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا أحدا .
وقال السيد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] : كان علي رضي الله عنه أعطاه الله علما كثيرا وكشفا غزيرا .
قال أبو الطفيل : شهدت عليا يخطب و هو يقول : سلوني [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل ، ولو شئت أوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقال أبن عباس رضي الله عنه : علم رسول الله من علم الله تبارك وتعالى ، وعلم علي رضي الله عنه من علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلمي من علم علي رضي الله عنه ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم علي رضي الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر .
ويقال : إن عبد الله بن عباس أكثر البكاء على علي رضي الله عنه حتى ذهب بصره ، وقال أبن عباس أيضا : لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارك الناس في العشر العاشر .
وكان معاوية يسأله ويكتب له فيما ينزل به فلما توفي علي رضي الله عنه قال معاوية : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وكان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس فيها أبو الحسن .
وسئل عطاء أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد أعلم من علي ؟ قال : لا والله ما أعلمه . أنتهى .
وعن عبد الله ابن مسعود : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، و إن عليا عنده علم الظاهر والباطن .
وهناك نظير هذه الأحاديث والكلمات حول علم أمير المؤمنين بالكتاب والسنة ، كثير جدا لو جمعته يد التأليف لجاء كتابا ضخما .
أقول راجع تتمة البحث في الغدير ج2ص43، ولمعرفة شيء عن كيفية السقيفة راجع الغدير ج7ص74ـ88،170، وج10ص9 فما بعد ، وج3ص240 ، فقد ذكره كل من ذكر السقيفة وألف فيها ، وهي مصيبة حلت بالإسلام والمسلمين وبها اختبارهم وبلائهم ، لطلب الحق ودين الله الصادق من أهله ، فهدي من هدي لأئمة الحق وأولياء الله الصادقين ، وضل من ضل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ما أعظمها من مصيبة ، حيث أنقطع عنا الوحي وأختلف الناس لولا بيان لله لملاك الإمامة في كتابه ، وظهر بها آل محمد بكل وجودهم صبرا وإيمانا وعلما وعملا وهدى ، راجع ما ذكرنا في صحيفة الإمامة وصحيفة الثقلين وصحيفة الإمام علي والحسين ، من وموسوعة صحف الطيبين تعرف ذلك ، أو راجع الكتب المختصة بالإمامة ، والله الموفق للصواب ويهدي من يشاء الهداية ، فيطلب الحق بوجدان صافي وضمير حي .
ورزقنا لله هداه بما يحب ويرضى ، حتى يجعلنا نعلمه ونعمل به ، فيحشرنا مع النبي وآله وكل الطيبين الذين هم لهم محبين في الدنيا والآخرة ، إنه ولي التوفيق وأرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
الأمر الخامس
الله يختبر عباده لمعرفة الصادقين
هذا كان قبس من معرفة حال الناس في زمن وفاة سيد الأنبياء والمرسلين الأكرم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وحال البيعة لمن سرق خلافة رسول الله من أهلها وتولى على المسلمين ، وحكمهم بمكيدة لم يحضر أهل البيت فيها ، وهذا حال أمير المؤمنين الحق علي بن أبي طالب وهو يتولى تجهيز رسول الله للرفيق الأعلى ، وبعض صفاته التي عرفت قسم منها في حياة النبي الأكرم ، فهو معه من أول يومه حتى تجهيزه ودفنه في مرقده الطاهر ، والناس مشغولون بالخلافة والبيعة والغدر لبيعة الغدير والعهد الإلهي الذي تم به تنصيب علي بن أبي طالب عليه السلام وليا وخليفة وإمام للمسلمين .
ولتطلع على جلي الأمر وأهمية خلافة رسول الله ومنصب الوصاية للرسول الأكرم ، ومعنى الإمام والإمامة على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نذكر بحث الإمامة الآتي في الصحيفة الرابعة لأصول الدين ، فتدبره تعرف الحق وآله ، وأن تعاليم الله ومعارفه الحق عند أئمة الحق من آل محمد وأهل بيته ، وإن منصب الإمامة والخلافة لرسول الله ليس منصب يأخذ على حين غره وباستغفال المسلمين ولم يكن الله ورسوله يهتم له .