ليلة الزفافالطريق إلى الولد الصالح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن ليلة الزفاف لها أهميتها الشديدة في تأسيس البيت المسلم، وفي نجاحه، وفي تحقيق المودة والرحمة بين الزوجين، ولكي يتحقق الهدف من هذه الليلة ننصح بالنصائح التالية تحقيقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
أولاً: ينبغي قبل تحديد يوم الزفاف أن تتأكد من أنه يوافق طـُهراً لها.
ثانياً: طلب النصيحة من الوالدين والإخوة في الله والعلماء بما يتعلق بالحياة الجديدة، وخاصة آداب اللقاء بين الزوجين، وليعلما أن الحياء المحمود هو الذي لا يمنع من علم أو أداء حق، وأن تجاهل هذا الأمر يؤدي إلى نتائج خطيرة قد تؤدي إلى تقويض هذا البناء الجديد الذي يراد له التأسيس على تقوى الله ورضوانه من أول يوم؛ لأن الغرض الأهم للزواج هو الإعفاف، وهو الذي يؤدي إلى المودة والرحمة بين الزوجين.
ويُنصح أيضاً بقراءة كتاب أدب هذا اللقاء، وليكن "تحفة العروس" مثلاً، قبل هذه الليلة بأسبوع أو نحوه، مع طلب النصيحة من الصادقين الأمناء.
ثالثاً: يجب تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني، أي: ما يلزم من العلم المتعلق بالعبادة التي تلبَّس بها.
رابعاً: أخي الزوج، إذا دخلت بيتك فقل: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا) رواه أبو داود، وصححه الألباني، حتى تطرد الشيطان من بيتك؛ فإنه حينئذ يقول: لا مبيت الليلة.
ثم عليك أن تصلي ركعتين شكراً لله -تعالى- على أن زوَّجك وآواك، وتذكّر قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِىَ لَهُ وَلاَ مؤوي) رواه مسلم، هذا دعاء كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوله إذا أراد النوم، فاحمد الله -تعالى- كثيراً، واجعل هذا دائماً منك على بالٍ كلما سكنت إلى أهلك، وأويت إلى فراشك.
واجعل من الزواج مرحلة من مراحل العبودية لله -تعالى-، واجتهاداً جديداً في طاعة الله -تعالى-، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تزوَّج العبدُ فقد استكمل نصفَ الدين فليتقِ اللهَ في النصفِ الباقي) رواه البيهقي، وحسنه الألباني.
ودليل هاتين الركعتين قول أبي سعيد مولى أبي أسيد: (تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة يعلمونني، فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ثم تعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، ورواه عبد الرزاق في المصنف، وصححه الألباني.
خامساً: شأنك وشأن أهلك يكون بالملاطفة والتأني والرفق، فقدّم لها شراباً مقترباً منها، وعند الشرب قل: "بسم الله" حتى يقول الشيطان: "ولا عشاء الليلة"، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء) رواه مسلم.
وأثناء هذه الجلسة الطيبة ذكِّرها بنعمة الله عليكما، وأنه ينبغي الانشغال بشكرها، وذكرها بما ينبغي أن يكون عليه البيت، وبما له من حق عليه، وأن سيجتهد في أدائه، وأنه سيتقي الله فيها، وأنك تحب في زوجتك كذا وكذا، وتحب في بيتك كذا، وتكره كذا وكذا... إلى غير ذلك من النصائح والقواعد التي تؤسس البيت، وتوطد دعائمه، ولنا في سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- أسوة حسنة في ذلك:
- لما تزوج أبو الدرداء -رضي الله عنه- قال لامرأته: "إذا رأيتني غضبت فرضـِّني، وإذا رأيتك غضبى رضـَّيتك، وإلا لم نصطحب".
- ولما دخل شريح القاضي على زوجته وجدها من أجمل النساء، فقام يصلي ركعتين شكراً لله -تعالى-، فلما سلَّم وجدها تصلي بصلاته، وتسلم بسلامه، ثم قام إليها، فمد إليها يده فقالت: على رِسلِك يا أبا أمية -أي: تمهل-، كما أنت. ثم قالت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيِّن لي ما تحبه فآتيه، وما تكره فأتركه..."، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأُسلم، وبعد... فإنك قلت كلاماً إن ثبتِ عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها...".
واعلم -أخي الكريم-: أن المقصود من هذا الكلام هو زيادة المحبة والرحمة، وإزالة الوحشة والرهبة، ويتخلل ذلك عبارات السحر الحلال واللمسات والقبلات، حتى إذا شعرت بتجاوب زوجتك معك، ونهوض شهوتها، فضع يدك اليمنى على مقدمة رأسها، وقل: "بسم الله" وسل الله البركة، وقل: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ -خلقتها عليه- وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
ثم عند إتيانك إياها قل: (بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِى ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) متفق عليه.
وهذه خطوة مهمة جداً في الطريق إلى الولد الصالح، والموَفق من وفقه الله -تعالى-.
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "قيل: المراد لا يصرعه الشيطان، وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره. قال: ولم يحمله أحد على العموم في الضرر والوسوسة والإغواء". أ.هـ. شرح مسلم10/5.
سادساً: احذر عادات الجاهلية، وأخطرها الشركيات التي يفعلها بعض الناس وقايةً من الربط -بزعمهم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ علق تَمِيمَةً فقدْ أشْرَكَ) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني، والتميمة: خرزات وطلاسم وغيره مما يعلقه الجهال يزعمون أنها تدفع عنهم العين والضرر، وتجلب لهم النفع، وما علموا أن هذا لا يُطلب إلا من الله -تعالى- فهو الضار النافع، وأن القلوب لا تعلق إلا بالله في ذلك، وأما من تعلق بهذه الأسباب الشركية يكله الله -تعالى- إليها، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ولتعلم -أخي- أن الحصن الحصين الذي تلجأ إليه تتحصن به من كيد الشياطين والسحرة وغيرهم هو طاعة الله -تعالى- وتقواه، واللهج بذكره -سبحانه وتعالى-، وقراءة كتابه، فمن قرأ آية الكرسي حين يصبح لم يقربه شيطان حتى يُمسي، ومن قرأها حين يُمسي لم يقربه شيطان حتى يصبح، وكذلك قراءة سورة البقرة، فإنها لا تستطيعها البطلة -أي السحرة-، وإذا تُليت في بيت فرَّ منه الشيطان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم.
وعليك أخي أن تتوكل على الله -تعالى- في التوفيق لأمور دينك ودنياك، فإنه -تعالى- حسيب من لجأ إليه، وكافي من توكل عليه.
- وكذلك احذر عادات الجاهلية، وعليك بالرفق والتؤدة والتأني فإنه من الله -تعالى-، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه.
سابعاً: يحل للزوجين أن يستمتع كلٌ منهما بالآخر، كما قال -تعالى-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ...)(البقرة:223)، أي: كيف شئتم إذا كان في موضع الحرث، هكذا فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج) رواه الدارمي، وقال -صلى الله عليه وسلم- لعمر -رضي الله عنه-: (أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحِيضَةَ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وفرق بين الإتيان من الدبر في موضع الحرث، فهذا حلال، وبين الإتيان في الدبر، فهذا حرام، وسمَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- كفراً، فقال: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني.
كما أنه يستوجب اللعن، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله -تعالى-، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِى دُبُرِهَا) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فِى الدُّبُرِ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ثامناً: ينبغي على كلا الزوجين أن يأخذا بجميع الأسباب المباحة لإنجاح هذا اللقاء، وإضفاء السعادة، وإدخال السرور على نفس الآخر، ولتحذر الزوجة من التمنُّع الذي تنصح به بعض النساء الجاهلات، وحجتهن: لتزداد رغبة الزوج ومحبته، بل العكس قد ينقلب إلى الضد، وفوق ذلك إغضاب الله -تعالى-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلاَّ كَانَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا) متفق عليه.
وفسّر عطاء -رحمه الله- النشوز بقوله: "هي أن تتعطر له، وتمنعه نفسها، وتتغير عما كانت تفعله من الطواعية".
- وعليهما أن ينويا بهذا الجماع إعفاف النفس، وإحصانها عن الوقوع في الحرام، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَة) رواه مسلم.
- وإذا أراد أن يعاود، فيُستحب له أن يتوضأ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ) رواه مسلم.
- وإن اغتسل فالغسل أفضل، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ) رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
- وإن أراد النوم فيستحب له أن يتوضأ، لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ) متفق عليه.
- وعليه أن ينام مبكراً، ليقوم للتهجد ثم صلاة الفجر في جماعة المسجد، ولا يمنعه الزواج من الصلاة في المسجد كما يفعله كثير من الأزواج جهلاً، فصلاة الجماعة فرض، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
- وعليهما أن يعلما أنه يحرم نشر أسرار الوقاع، هذا أمر عمَّ وطمَّ إلا من رحم الله، وفيه الوعيد الشديد. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) رواه مسلم، والإفضاء كناية عن الجماع.
- ثم عليه أن يغتنم فترة بقائه مع زوجته الأيام الأولى من الزواج في إرساء دعائم البيت، وزيادة المحبة والمودة والرحمة، كما عليه أن يجعل من الزواج دافعاً إلى المزيد من الطاعة وطلب العلم، والدعوة إلى الله -تعالى-، وأن يربي زوجته على هذه المعاني العالية الشريفة.
والله المستعان، وهو المسئول أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل بيوتنا وبيوت المسلمين على الوجه الذي يرضيه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.